القلب دليل من لم يعاشر الناس في فهم الناس
القلب هو النار التي يهتدي بها البدوي في صحراء الدنيا كما يهتدي التائه بنجم «ايدي»
«ايدي» مثل القلب لا يخدع
أبوه أيضًا أوصاه بالقلب قبل أن يموت.
نزيف الحجر، ص ٢٣.
يقارب هذا النصّ رواية نزيف الحجر (١٩٩٢) لصاحبها الباحث والروائي الليبي إبراهيم الكوني. ولد الكوني في منطقة غاداميس، وتشرّب من ثقافة الطوارق ومن الثقافة العربية معًا. تلقّى تعليمه الأول في جنوب ليبيا، ثمّ عمل في الصحافة قبل أن يلتحق بمعهد غوركي في موسكو لدراسة الأدب والنقد في سبعينيّات القرن المنصرم. ومنذ ذلك العقد وحتّى يومنا هذا، نشر الكوني أكثر من ثمانين كتابًا، جعل فيها من الصحراء حيّز بحثه الأوّل. وتناول هذا الموضوع بفرادةٍ لم نعهدها من قبل في الرواية العربية، إذ بنى مقاربته على التصوّرات الميثولوجية والدينية والاجتماعية الخاصّة بالصحراء الليبية، عالجها بجدّةٍ أدبية تجذّرت على نحوٍ خلّاق في التراث الثقافي للمنطقة.
يفتح الكاتبُ بأعماله الروايةَ على فضاءٍ موحشٍ، لا يمكن الخوض في خوائه إلا بمخيالٍ يؤنس وحشته، لا بل بمخيالٍ يقلب الفراغ أفقًا جديدًا لتكوين المعنى. خواء الصحراء، قبل كلّ ...