Navigation – Plan du site

AccueilNuméros17ملف العدد : الاقتصاد والثقافة في ...الممارسات الإنتاجية بالأطلس الصغي...

ملف العدد : الاقتصاد والثقافة في الأوساط الأمازيغية

الممارسات الإنتاجية بالأطلس الصغير الأوسط

Aboulkacem El-Khatir
p. XV – XXI

Résumés

La contribution s’intéresse à la place que les outils culturels occupent dans l’organisation des activités de production dans une vallée de l’Anti-Atlas central, Ilmgert (tribu des Ida Ou Kensous). Partant des récits d’origine qui enseignent que l’identité sociale se fonde sur l’exercice simultanée des activités pastorale et agricole et que la vie ne s’équilibre qu’une fois cette double identité est pleinement réalisée, elle détaille le déroulement de ces deux activités en fonction des saisons, des types d’action à entreprendre et de l’étendue des propriétés et des résidences pour montrer que la majorité des familles ne peut pas répondre, compte tenu de leur taille, aux exigences que nécessitent les travaux agricoles et la surveillance des troupeaux. C’est ici que les outils culturels élaborés interviennent pour une gestion rationnelle du temps et de l’effort. Dans ce cadre, la société pastorale qui consiste en la mise en commun du cheptel pour sa gestion collective permet d’établir un calendrier suffisamment allégé pour s’impliquer dans ces deux activités constitutives du mode de vie sociale de la vallée.

Haut de page

Texte intégral

  • 1 في اللغة الأمازيغية، يحيل لفظ ءاسيف، إضافة إلى الخصوصية الجغرافية التي يمثلها باعتباره مجرى مائيا ف (...)
  • 2 إضافة الى المساهمات النظرية والتطبيقية التي قامت بتفكيك تمثلات الإثنوغرافيا والسوسيولوجيا الكولونيا (...)
  • 3 لا نتوفر على دراسات كافية حول الوادي أو قبيلة "يداوكنسوس" إذا استثنينا الدراسات ذات الطبيعة الإثنوغ (...)
  • 4 لم تستهدف هذه الدراسة رصد التحولات العميقة التي مست البنيات الإنتاجية والتسييرية للمجتمعات المعنية (...)

1يقع ءاسيف ن ءيلمكَرت1 في أعلى المجرى المائي الجنوبي المنبعث من قمم الأطلس الصغير الأوسط والذي يشكل، بعد التقائه بروافد أخرى، واد طاطا. وهو، كما يدل على ذلك اسمه الأمازيغي ءاسيف، مجرى مائي صغير لا يسيل إلا في حالة هطول أمطار الشتاء أو اشتداد العواصف الرعدية في الصيف أو الخريف. وقد تطورت عملية إعداده وتوطينه حول عين ذات صبيب منخفض ويجري على امتداد بعض الحقول الفلاحية الصغيرة المشيدة على جوانبه. وتقطنه ثلاث مجموعات سكنية استقرت في مداشر أو قرى، وهي بمثابة وحدات أساسية للتنظيم الاجتماعي في هذه المنطقة2. وتنتمي المداشر الثلاثة، أنامر ودوزرو وتامسولت، حسب التنظيم القبلي التقليدي، إلى إحدى فرق ايداوكنسوس التي تحمل نفس الاسم، لفرقت ن ءايت ئيلمكَرت، وإداريا إلى جماعة سيدي بوعل وإلى دائرة إغرم، إحدى مقاطعات إقليم تارودانت3. قبل أن يتقوى ارتباط الوادي اقتصاديا واجتماعيا بالمحيط الخارجي، خاصة مع نهاية عقد تسعينيات القرن الماضي، بما ترتب عنه من تحولات عميقة همت الجوانب الأساسية للحياة المجتمعية للجماعات المحلية، اعتمدت الساكنة على تكامل الأنشطة الزراعية والرعوية، تقوم أساسا على تربية الأغنام، وخاصة المعز والأكباش، مع أسبقية تفضيلية لهذه الأخيرة، وعلى زراعة الحبوب4. في هذا الإطار، تمد الأراضي البورية الساكنة بأغلبية منتوجها من الشعير، الذي يشكل قاعدة التغذية المحلية، في حين تخصص الأراضي المسقية المهيأة على جوانب الوادي لغلة الشعير في الفترة الشتوية والذرة في الصيف، وتتخللها بعض الخضراوات الضرورية للنظام الغذائي كالبصل والطماطم واللفت والجزر وبعض البقوليات. فإذا كانت العمليات المرتبطة بالزراعة موسمية أو دورية، فالرعي يومي ويقتضي انخراطا كاملا في هذه الممارسة لأن الأغنام، كما يقول المثل المحلي، لا تستريح أيام العيد، لهذا تحتّم على المجموعات المحلية إعداد أدوات وتقنيات تدبيرية ملائمة للحفاظ على التوازن بين هذين النشاطين الرئيسيين والضروريين لحياتها الاقتصادية. وتعتبر الجمعية الرعوية أو القطيع المشترك إطارا مناسبا لتحقيق التوازن الذي تتطلبه الأشغال المتولدة عنها. ومن أجل فهم هذا الواقع، سنحاول التعريف بالممارسات الإنتاجية المختلفة، وبالدور الذي يلعبه هذا الشكل التنظيمي التشاركي لتخويل الساكنة إمكانية تربية الأغنام دون الانشغال اليومي المكلف بهذه العملية.

قبائل سوس بعد استقرارها في نهاية القرن 19

قبائل سوس بعد استقرارها في نهاية القرن 19

الأسس السردية للنمط المعيشي المتكامل

  • 5 تشترك قبيلة ايداوكنسوس مع أغلب قبائل الأطلس الصغير ومنحدراته الاعتقاد بنفس الحكاية الأصلية، وتوجد ر (...)

2يتضمن المتن الحكائي المرتبط بالأصول المفترضة للمجموعات المحلية عددا من الروايات بمتغيراتها الطفيفة التي تعرض، إضافة الى المعلومات عن الأماكن الأصلية التي انتقل منها السكان وتقلباتهم بعد الرحيل وسيرورة الاستيطان والاستقرار، بعضا من السمات الأساسية للنمط المعيشي الذي يطبع حياتها الاجتماعية والاقتصادية. ويمكن تصنيفها إلى نوعين، صنف يحيل على الأصل المشترك للقبيلة، وصنف ثان يكشف عن بداية استقرار فرق متفرعة عنها في الوادي بعد اكتشاف المنبع المائي وتدشين مسلسل تهيئة أشرطته الجانبية للتوطين والزراعة. فحسب الصنف الأول من الحكايات والتي يتقاسم الاعتقاد بها مختلف المجموعات التي تصرح بالانتماء القبلي إلى ايداوكنسوس فالجد الأعلى للقبيلة، المسمى في بعض متغيراتها المتواترة عبد الواحد، كان يسكن بلدة غنية بمواردها التجارية والفلاحية والمعدنية تسمى تامدولت ن أوقا، التي تقع في سلسلة الواحات الممتدة على طول السفوح الجنوبية للأطلس الصغير الأوسط، حيث ما زالت أطلالها قائمة بالقرب من واحات توزونين. ويكشف محتوى الحكاية أن هذا الجد كان مزارعا ومربيا للماشية، يقضي معظم أوقاته في العناية ببساتينه المتواجدة خارج أسوار البلدة. ومع أنه وحيد ولم ينجب من الذرية إلا البنات، فقد كان مثار استهزاء واحتقار ومعرضا لسوء المعاملة التي كانت تصل في بعض الأحيان الى التحرش والتضييق. ومن ذلك أيضا أن بناته يتعرضن للمضايقة أثناء الذهاب لمد الأب بمؤونته اليومية، حيث يقوم بعض الفتيان بنزعها منهن وإتلافها. وأمام تعنت المضايقين وتكرار تصرفاتهم، ورغبة منهن في مراوغتهم وتأمين تزويد الأب بطعامه اليومي، صرن يخفينه تحت النخالة مدعيات أنهن ذاهبات لتغذية كلب الراعي ءامكسا المكلف بحراسة قطيع العائلة. بعد استفساره لبناته عن هذا الفعل الذي يضعه في مرتبة كلب، اغتنمن الفرصة لتذكيره بأن وضعية من لا حليف له لا تجانب كثيرا هذا الوصف، وعندها أحس الجد بالذل وأقسم أن يكون سببا في إنهاء تجبر وكبرياء أهل البلدة. فتوسل الى حليفه القائد محند أوعلي أمنصاك، الذي تقدمه الحكايات على أنه قائد كبير بمنطقة تيزلمي بالأطلس الصغير الغربي، الذي استجاب لطلبه ووضع معه مخططا لغزو المدينة وتخريبها. هكذا هيأ القائد جنده، وبتواطؤ مع حليفه أغار ليلا عليها وقام بتدميرها. وكانت هذه النهاية المأساوية بداية سلسلة من التنقلات بين مختلف المناطق إلى أن حط الرحال بالمجال الترابي الحالي للقبيلة واستقراره النهائي بها5.

3أما الصنف الثاني من الحكايات فهي ذات طبيعة تأسيسية، حيث تقدم أسباب وسياق بداية مسلسل الاستقرار التدريجي بالوادي وتحويله إلى مسكن رئيسي. ويحكى أن فتاة يافعة، تنتمي إلى إحدى الأسر التي تعيش في ظروف القساوة والهشاشة في شعاب ومنحدرات غير بعيدة عن الموقع الحالي للوادي، كانت تتكلف برعاية قطيع العائلة الهزيل وتجوب به المنتجعات العارية بعد سنوات عجاف بحثا عن نقط ماء وبقايا أعشاب جافة. وكانت تلاحظ الغياب المتكرر للكلب المرافق لها وقت القيلولة، أي الفترة الخاصة للاستراحة بعد سقي الأغنام، ولا يعود إلى حين استعدادها للعودة إلى مكان سكنى أو استيطان الأهل. في أحد الأيام لمست جلده فوجدت الشعر مبللا وفهمت من اختفاءاته العديدة إمكانية تواجد نقطة ماء سطحية غير بعيدة عن موضع انتجاعها يذهب إليه ليتروى قبل أن يعود ليلتحق بالقطيع. وفي اليوم الموالي استعدت الفتاة لاكتشاف سر غياب الكلب، سارعت إلى تتبع خطواته إلى حين وصوله إلى موضع العين الحالية المسمى دار ءوكَوكَ. فاستبشرت خيرا حين شاهدته وهو يقوم بحفر الأرض بحركات رجله ويقلبها لتبليل جلده في البركة المائية. لحقت الفتاة بالكلب وكانت فرحتها عارمة حين اكتشفت وجود منبع مائي سطحي. عند عودتها في المساء، أخبرت عائلتها بالأمر وكانت هذه بداية مسلسل انتقال الأسر وتهيئة الوادي لتشييد سكن قار وواق من تقلبات الظروف والتغيرات المناخية.

4يستفاد من المعطيات المستقاة من هذه الحكايات أن النمط المعيشي المعتمد على التكامل الوظيفي بين الزراعة والرعي يشكل الحالة الاجتماعية والاقتصادية الأصلية للمجموعات المستقرة بالوادي، وأن العلاقة العضوية قائمة ودائمة بين هذه الأنشطة الإنتاجية الرئيسية. فالسلوك اليومي للجد الأعلى يتسم بعنايته الشخصية بالبساتين وبتشغيله لراع محترف للاهتمام بالقطيع، وتبصم بذلك الحكاية المتداولة ضمن الذاكرة الجماعية بتمثل نظام معيشي تتعايش فيه الزراعة مع تربية الماشية. لهذا تكشف الحكاية التأسيسية عن هشاشة الحالة الرعوية الخالصة، وتقرن عودة الحياة إلى مستواها الأصلي باكتشاف المنبع المائي الدائم المؤسس لمسكن مزروع ومطمئن. فالعين، التي عثر عليها كلب حراسة القطيع الذي يرمز إلى الحياة الرعوية والذي ترعاه فتاة يافعة للدلالة على خلخلة النظام الاجتماعي، تعلن عن نهاية مرحلة التيه والبحث التي دشنتها الهجرة من الأصل، وبداية مسار يترجم المبادئ المؤطرة للحياة الاجتماعية بوضع لبنات لمجتمع تتكامل فيه العناصر المؤسسة لبنياته المستبطنة في النسق الثقافي للمجموعات المعنية. إنها تمثل حلم الميلاد الجديد للمجموعة الاجتماعية. ورغم أن الحكاية التأسيسية لا تشير صراحة إلى الجد الأعلى ولا تنتمي نصيا إلى المتن المرتبط بالأصول القبلية، إلا أنها تشكل ضمنيا وكرونولوجيا امتدادا لها وتعرض لمرحلة سابقة على الاستقرار وتأسيس مجتمعات محلية قائمة تلت فترة توافد الجد الأعلى واختياره للمجال الترابي الحالي للقبيلة موطنا رئيسيا له. يتعلق الأمر إذا بزمن مرحلي ومغاير، يربط بين وضعيتين تاريخيتين واجتماعيتين مختلفتين ويعرض مسار استقرار المجموعة البشرية في مجال يسمح بإعادة إنتاج بنياتها الاجتماعية المستبطنة.

الممارسات الإنتاجية وايقاعاتها السنوية

5إن الصورة التي رسمتها الأصناف الحكائية المتداولة تتمحور إذن حول هشاشة الاقتصار على حياة رعوية خالصة في محيط تطبعه القساوة والتقلبات المناخية والعودة إلى النظام الذي خلخله الانتقال الاضطراري من الموطن الأصلي والمبني على تعدد الموارد وتكاملها. حيث تعتمد مثل هذه المجتمعات، في منشئها، على ازدواجية في موارد العيش. ولعل الوصف الاثنوغرافي لأوجه الحياة بالوادي يمكن أن يساعد على فهم أهمية الاستقرار حول منبع دائم والاستغلال المشترك والمترابط للموارد الممكنة والمتوفرة.

  • 6 للمزيد من التفاصيل عن التدبير الجماعي للمصالح المشتركة والقواعد القانونية المؤطرة له أحيل على دراسة (...)

6كما سبقت الإشارة إلى ذلك، تقتسم المجال الترابي للوادي ثلاث جماعات محلية مستقلة رغم ترابط مصالحها المشتركة وفق تراتبية لا يسع المجال لتفصيلها هنا. ويشرف على تسيير كل واحدة منها مجلس يضم ممثلي الأسر. لكن في حالة وجود مصالح مشتركة تقوم مجالس الجماعات المعنية بالتنسيق بينها أو تكليف خلية خاصة لذلك. ويمكن أن يغطي مجال التنسيق كل ساكنة الوادي كما هو الشأن بتدبير قضايا العين المائية باعتبارها ملكية عامة. وتقوم المؤسسات المعنية بتطبيق القوانين المعروفة أو التداول حول الصيغ الممكنة والمناسبة لتفادي أسباب النزاع بين الجماعات أو بين أسر جماعة واحدة. ويقوم المجلس بتدبير المصالح بنفسه إذا كانت كل الأسر معنية، أو الاكتفاء بالإشراف والمراقبة البعدية مع مراعاة فض النزاعات التي تفرزها عمليات الاستغلال حين تكون مقتصرة على بعض الأعضاء دون الآخرين6. فرغم المنزع الاستقراري للساكنة، إلا أنهم يعطون أهمية خاصة لتربية الماشية ويتنقلون بانتظام بين مجالات جغرافية مختلفة لتوسيع مساحات الزراعات البورية ونطاق انتجاعهم. في هذا الإطار، تشكل الأنشطة الإنتاجية الزراعية موردا رئيسيا وتنتظم في مسارات منتظمة، مكانيا وزمانيا، وتسلك وتيرة تختلف باختلاف الأنواع والمحاصيل والفصول السنوية.

  • 7 ءيسكَان في اللغة اليومية جمع ءاسكَن وتعني الكلمة المكان الذي ترقد فيه الأغنام، وتطلق في إطار توسيع (...)

7إن تنظيم واستغلال المجال وتوزيع أنشطته السنوية ينطلق من الوادي، الذي يشكل محور الحياة الاجتماعية وأساسها. فبفضل إعداد تقنيات وتجهيزات السقي على إثر اكتشاف العين المائية وتهيئة الأشرطة الجانبية للمجرى (ئيساليون) وتحويلها إلى حقول مسقية (ئيكَران) ومنحدراته القريبة إلى مساكن، استطاعت المجموعات المحلية توطين المكان وأنسنته وتطوير زراعة تعاقبية كثيفة وإن كانت غير كافية لسد كل الحاجيات الأساسية. إلا أنها تضمن حدا أدنى من الاستقرار والسلامة الغذائية وتوفر جزءا من الكلأ للماشية المقيمة في الإسطبل. تتميز الممارسات الإنتاجية المرتبطة بالسقي بطابعها اليومي والدائم، حيث تمتد على طول فصول السنة وتخضع لسلسة تناوب حصص الري التي تملكها كل عائلة أو مجموعة من الأسر في دورة مائية تمتد على أربعة عشر يوما. وتتوزع على غلتين سنويتين، الشعير وبعض الخضراوات وجني الزيتون في الفترة التي تمتد من بداية الخريف إلى نهاية الربيع، وغلة الذرة والخضراوات والبقوليات ونفض محصول اللوز، الذي يشكل أحد أهم الموارد القابلة للتصدير، خلال الفترة الصيفية. وتصاحب هذه الأنشطة ذات الطبيعة الموسمية وحصص السقي الدورية حركات يومية تتمثل في اجتثاث الأعشاب الضارة والغصون المتفرعة للأشجار المثمرة، وتنضاف إليها في فترات معينة، عمليات زراعة الشعير في الأراضي البورية. وتتميز هذه الأشغال، إلى جانب طبيعتها الفصلية، بكونها تقتضي نوعا من التنقل بين حرث وحصاد الأراضي المجاورة للوادي والأراضي الموجودة في أماكن السكن أو المدشر الثانوي المسماة محليا بإيسكَان7.

  • 8 من حيث التوزيع الجنسي أو النوعي للأنشطة الفلاحية، فإذا استثنيا الرعي وبعض عمليات الدرس والري وتهيئة (...)
  • 9 يمكن أن نستأنس ببعض الإحصائيات التي قدمها لومالي عن محصول الشعير، فأسر تامسولت التي تتوفر على أكبر (...)

8ولكي نضع القارئ أمام هذه الوضعية، يمكن تركيب النشاط الزراعي في استعمال زمني نموذجي للتعاقب ولتعايش الممارسات الإنتاجية المسقية والبورية والعمليات المرافقة طيلة السنة لأغلبية الأسر في الوادي. مباشرة بعد الانتهاء من تحصيل غلة الصيف، والذي يعتبر الفصل الذي تقل فيه الأنشطة اليومية الفلاحية وتنظم فيه أغلب الاحتفالات الجماعية والفردية وتنفذ فيه أشغال الصوف والنسيج، يبدأ أفراد الأسرة، نساء ورجالا8، في الاستعداد التقني (شراء الدواب وأدوات الحرث أو على الأقل صيانتها) للموسم الفلاحي الجديد، ونقل ونثر الأسمدة الطبيعية على كافة الحقول المسقية منها والبورية، وتهيئة المجال المسقي للحرث بعد جني محصول الذرة واجتثاث جذوعها وغمره بالمياه ءاسدّومكل. بعد ذلك تبدأ أعمال حرث هذه الأراضي لإنهائها قبل نزول الأمطار الخريفية الأولى التي تعلن بداية الاشتغال في الأراضي البورية. فالمجال الذي يشمل الأراضي المحيطة بالوادي وتلك المجاورة للمدشر الثانوي أو إيسكَان هو الذي يمد الساكنة بالقسط الكبير من محصولها السنوي من الشعير9. ويحدد حجم التساقطات المطرية وتيرة وطريقة مباشرة هذه الأعمال، إلا أنه في الغالب ما يتم أولا زراعة المجال البوري المحيط قبل الانتقال الى المدشر الثانوي. في هذه الحالة، يمكن اللجوء الى التطواف اليومي (الذهاب صباحا والعودة مساء إلى المنزل) أو ما يسمى محليا بإيزريكَن إذا كان المدشر الثانوي قريبا من الوادي (كما هو الحال مثلا لبوويلي بالنسبة لبعض عائلات أنامر أو تازونت لبعض أسر تامسولت ودوزرو)، أو تنظم الأسر المعنية نوعا من الانتقال المرحلي (رّحيل) وتستقر بالمدشر حيث تتوفر على مسكن ملائم إلى حين الانتهاء من أشغال الحرث. ونظرا لبعد بعض المداشر الثانوية كأكَرض أودرار بالنسبة لبعض الأسر بأنامر، فالانتقال يكون ضروريا وتتراوح مدته بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع حسب مساحة الملكيات العائلية.

9مباشرة بعد الانتهاء من أشغال الزراعة البورية تعود الأسر إلى الوادي لتنخرط من جديد في وتيرة الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وتوزع النساء أوقاتهن بين العناية بالمجال المسقي (ري الحقول ونزع الأعشاب والحشائش، وبداية من نونبر قص الشعير في المراحل الأولى من نموه وتهيئته ككلأ للأبقار (ءاكَلاس) والذهاب إلى المنحدرات القريبة أو البعيدة لنزع الحطب والأخشاب للطهي والتدفئة، حيث تتواصل هذه المهمة الشاقة طيلة فصل الشتاء. ومع الربيع تنهمك النساء في جمع الحشائش والأعشاب لتغذية الماشية وتشكيل الادخار السنوي من هذه المادة الأساسية بعد تيبيسها (ءارمّو). ويمكن أن تشمل هذه العملية حتى مجال السكنى الثانوية لتخزين كمية كافية من العلف. وبعد إتمام هذه الأشغال المضنية تنخرط في عملية الحصاد التي تشمل، إضافة إلى البور المحلي والثانوي، المجال المسقي وجمع المحاصيل، ثم تليها مرحلة الدراس التي تخضع بدورها لاستعمال زمني مضبوط ولإكراهات التباعد المكاني بين مختلف المساحات المزروعة.

10إن الرجوع إلى مقر السكن الرئيسي في نهاية يوليوز أو بداية غشت بعد إتمام أشغال جمع محصول الشعير في المساحات المزروعة باٍيسكَان لا يعني التحرر الشامل من متاعب الممارسات الإنتاجية. فسقي حقول الذرة وجمع محصولها وجني اللوز يتطلب من بعض أعضاء العائلة بذل المزيد من المجهودات لتنفيذ العمليات المطلوبة. فالوادي، بفضل ارتباطه الوثيق بالعين وما يترتب عنها من أشغال الري والصيانة وتزويد المنازل بالمتطلبات اليومية من الماء، يحتفظ بحيوية دائمة في موازاة مع الايقاعات الفصلية للممارسة الزراعية البورية. لذا تبدو الحياة بمثابة كفاح مستمر من أجل تحقيق التوازن المعيشي. نستخلص من هذا الوصف المختزل أن الشعير، الذي يشكل قاعدة النظام الغذائي المحلي، ويوفر أيضا المواد الأساسية لتغذية الماشية المقيمة في الإسطبل (ءاكَلاس، التبن والشعير)، يشغل أغلبية الأراضي البورية والمسقية ويمتد على فترات طويلة في السنة. ثم إن وتيرته الموسمية تتحكم في ضبط الاستعمال الزمني لتعاقب وتعايش المحاصيل الزراعية في المجال المسقي وكذا للتنقلات الفصلية بين الوادي والمساكن الثانوية. لكن، رغم كثافة إيقاع الحياة اليومية الذي تستدعيه هذه الأنشطة الزراعية، فسكان الوادي لم يكن بإمكانهم، في أغلب السنوات، تلبية حاجياتهم الضرورية. فتعدد موارد العيش يبقى هو السمة الغالبة على الاستراتيجية الإنتاجية للساكنة وتشكل تربية الماشية ضمنها نشاطا رئيسيا موازيا.

موقع تربية الماشية في الحياة الاقتصادية

11تكشف المعطيات المقدمة باقتضاب أن الحياة الزراعية القائمة في الأشرطة المسقية بضفاف الوادي والمساحات البورية المجاورة وفي المداشر الثانوية، تستحوذ على معظم أوقات وجهود الساكنة رجالا ونساء. ورغم ذلك فالإنتاج لا يسعف في تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي. لذا تشكل تربية الماشية، إلى جانب الأشجار المثمرة وخاصة اللوز، موردا تكميليا وأساسيا حيث تمنح، إضافة إلى المتطلبات اليومية والمناسباتية من الحليب واللحم والصوف والذبائح الطقوسية، إمكانيات التبادل واستيراد بعض المواد الأساسية للنظام الغذائي المحلي. فحتى الطبيعة البيئية للمنطقة، باعتبارها منطقة جبلية فقيرة التربة وقليلة المياه، تتناسب مع الاستثمار في تربية الأغنام والماعز. فأغلب الملاحظين في الفترة الكولونيالية يعتبرون ساكنة القبيلة، رغم هيمنة الاستقرار والترحال الفصلي القصير على نمطهم الحياتي، مربي ماشية بالدرجة الأولى. وقد استنتج مسؤولو مكتب الشؤون الأهلية بإغرم من معايناتهم الميدانية وتقييمهم للوضعية الاقتصادية، محدودية توسيع المساحات المزروعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي. وستبقى المنطقة فقيرة زراعيا (Laumalé، 1941: 28). لذا استهدفت العمليات التنموية تمديد مجالات الانتجاع بإحداث أو إصلاح الصهاريج السطحية أو المشيدة لتوفير الماء للقطعان في المراعي البعيدة وإمكانية تنمية غرس الأشجار المثمرة، وخاصة اللوز، وتربية النحل.

12وتتميز تربية الماشية باستغلال كل الإمكانيات الاجتماعية والمجالية المتاحة بتنويع الأجناس والأشكال التعاونية والتنقلات عبر المساحات غير القابلة للزراعة ومواجهة التغيرات المناخية. ويمكن أن نرصد في هذا المجال تربية الحيوانات التي تساهم في العمليات الإنتاجية، والماشية التي تشكل مصدرا للغذاء اليومي ورأسمالا متحركا. في هذا الإطار يمكن أن نستأنس ببعض الإحصائيات التي قدمتها معاينات الشؤون الأهلية أثناء عمليات استخلاص الضريبة الفلاحية المعروفة ب "ترتيب" والتي ضمنها لومالي (1941: 26) في دراسته حول قبيلة ايداوكنسوس التي تبين أن سكان الوادي كانوا يربون، في منتصف القرن الماضي، الأغنام والماعز والأبقار والخيول والبغال والحمير، وبدرجة أقل الجمال. ففي قرية تامسولت مثلا، التي كانت تقطنها 37 أسرة، تم جرد 415 من الأكباش و498 من الماعز و44 من الأبقار و15 خيلا وبغلة واحدة و15 حمارا وجملين. ومع تطور وسائل النقل والنمط المعيشي تقلصت الأجناس المرباة، بالتخلي التدريجي عن الخيول والبغال والجمال، لتستقر في الأخير على الحمير التي تستعمل في الأنشطة الزراعية (الحرث والدرس ونقل المحاصيل) والتنقلات وتزويد المنازل بالماء الشروب. وتنتهج في رعايتها التربية الإسطبلية والانتجاع القصير. وفي الغالب، تبقى الحمير، لكثرة الحاجة اليها في الأشغال اليومية، في الإسطبل حيث يتم مدها بالتبن والشعير وبعض النباتات الشوكية. ونادرا ما يتم تسريحها بدون حراسة للرعي في المنحدرات القريبة بعد منتصف النهار إلى قبيل غروب الشمس. وتتم هذه العملية في فصل الصيف بعد الانقضاء من أشغال الدرس وجمع المحاصيل.

13وتشترك الإسطبل مع الدجاج والأرانب المدجنة، التي تمد البيت بالبيض واللحم خاصة في بعض الزيارات الطارئة حيث تشكل مدخرات مالية صغيرة يتم استعمالها لسد بعض الحاجيات اليومية البسيطة. أما الأبقار، فتحظى بعناية خاصة ومؤنسنة. والملاحظ أن أغلبية الأسر تقتصر على بقرة واحدة، وتتكفل برعايتها ربة البيت التي تنسج معها نوعا من العلاقة العاطفية والحميمية. فالبقرة تعيش في وضعية شبيهة بالحريم، حيث لا تغادر الإسطبل الا نادرا حين تتم قيادتها إلى الثور في فترات التخصيب، أو حينما تُساق للبيع. وفي حالة إخراجها في واضحة النهار يُغطَّى جسدها بازار حتى لا تظهر ملامحها للعموم. ويتم أيضا الاحتفال طقوسيا بالولادة بإعداد طعام العصيدة وتوزيعه مع الحليب المطهي ءادخس على الجيران، واستدعاء الفقيه عند المرض، ونعيها عند الفقدان. ونظرا لوضعها الخاص، تستفيد البقرة من تغذية مهيأة متنوعة وساخنة ومنتظمة، يتم إعدادها بعناية في فترات متفرقة من اليوم تسمى ئيميس. ولها الأولوية كذلك في كل الحشائش المنتقاة سواء في المجال المسقي أو المنحدرات القريبة من الوادي، ومن العلف الذي يتشكل بالأساس من التبن (ءاليم) والعشب الميبس (ءارمّو). وفي السنوات الأخيرة يتم تطعيم تغذيتها ببعض المواد التي تُقتنى من السوق، أو التي تُوزَّع في إطار دعم الإنتاج الفلاحي القروي كالنخال والشمندر. وتمد العائلة بالحليب ومشتقاته (لبن، وزبدة وسمن) وتساهم أيضا، بالمواليد، في تنمية ميزانية البيت لتغطية النفقات وتوفير المستلزمات من الذبائح في بعض المناسبات، وخاصة الأعراس.

14وإضافة إلى هذه الحيوانات المقيمة في الإسطبل، تحتل تربية الأغنام والماعز مكانة هامة في هذا المجال. فهي التي تشكل الرأسمال الأساسي والضروري لتغطية الخصاص الغذائي والنفقات المستعجلة. وتوفر للعائلة، إضافة إلى الحليب والصوف، الذبائح الطقوسية (العيد، والعقيقة...). فإذا كان بالإمكان وضع بعض الرؤوس في الإسطبل والعناية بها من خلال تغذيتها بالأعشاب المنزوعة من الحقول والمنحدرات الجبلية المجاورة، إلا أن النهج الطاغي في حراستها ورعايتها هو تشكيل القطعان وتنويع المراعي حسب الفصول ومدى توفر النقط المائية والاستغلال الزراعي للمساحات. ويمكن أن نميز بين أنواع مختلفة من القطعان تمتد من القطيع الخاص الذي ترعاه وتتكفل به عائلة واحدة، وقطيع مشترك تتناوب على تشكيله وطرق تدبيره وحراسته عائلات مختلفة. ويتدخل العامل البشري للتحكم في خيارات واستراتيجيات الأسر. فإذا كانت الأسر الكبيرة، والمتوفرة بالتالي على يد عاملة منزلية كافية، تستثمر في هذا المجال، وتسعى إلى تكوين قطيعها الخاص، وتنمية ثروتها الحيوانية باقتناء رؤوس جديدة وتنويع المسارات والمراعي بالتنقلات المنتظمة للاستفادة من الأراضي القليلة الانتجاع شريطة احترام القوانين المنظمة لاستغلال المساحات الرعوية المزروعة، فإن غالبية الساكنة لا يملكون إلا القليل من الماشية لضمان ميزانية تغطي نقص المحاصيل وتوفر أضاحي العيد والمناسبات الطارئة. لذا يلجأون إلى الإمكانيات التي تتيحها الأدوات الثقافية للتمكن من مزاوجة النشاط الرعوي مع الممارسات الإنتاجية الأخرى لضمان الحد الأدنى للمعيشة. وسنخصص الفقرة الأخيرة لاستعراض الكيفية التي يتدخل بها الرأسمال الاجتماعي لتعليل بعض الصعوبات والمشاكل المطروحة.

الحلول الثقافية للمزاوجة بين الزراعة والرعي

  • 10 تتطلب عملية الدرس لمّ أيدي عاملة كافية ودواب في فترة واحدة، لذا يخبر المسؤول عن الشؤون الأهلية الفر (...)
  • 11 يطلق عليها محليا لفظ توشركا، والصيغة السائدة في مجال تربية الأغنام هي توشركا س نّص، حيث يتم تقسيم ا (...)

15يستنتج من الوصف السريع لواقع بعض الممارسات الإنتاجية بوادي ئيلمكَرت استحالة التخصص في الزراعة أو الرعي. فلا قوام للحياة في هذه المنطقة إلا بمزاوجة النشاطين لتحقيق الحد الأدنى من المعيشة وتوفير ميزانيات احتياطية، خاصة من تربية الماشية ومن جني محصول اللوز الذي يشكل أهم الموارد الاقتصادية القابلة للتصدير. لذا ولّدت ضرورة التعايش بين أنشطة متعددة لتنويع الموارد الحاجة الى أدوات اجتماعية تنبني على المبادئ الثقافية والقواعد الاتفاقية المستبطنة للتكيف مع الأوضاع الإنتاجية المختلفة. فإلى جانب التوزيع النوعي للعمل والذي تتحمل فيه المرأة العبء الأكبر، باشتغالها بالزراعة وجمع المحاصيل والحطب والعناية بمستلزمات التربية الإسطبلية إلى جانب الأشغال المنزلية، حتى يتسنى للرجل التفرغ للرعي ومزاولة بعض الأشغال الموازية كصيانة التجهيزات السقوية والبناء، توفر المؤسسات المحلية بعض الأدوات والوسائل والإطارات لتخفيف الضغط عن الأسر حيث تُظهر نوعا من العقلانية في تدبير اقتصاد الطاقات الإنتاجية. دون الحديث عن القواعد القانونية المتحكمة في تدبير التوزيع الدوري والموسمي لحصص الماء والذي يتميز بجدولة قبلية وقابلة لانتداب أشخاص آخرين أو استبدال الحصص مع أغيار قصد التمكين من تدبير أمثل للحياة الزراعية، وعن الأشكال التضامنية المعبأة لتيسير عمليات الدرس10 وجمع المحاصيل، والأشكال التشاركية في تربية بعض الحيوانات11. ويمكن أن نستشهد بالقطيع المشترك أو بما يمكن تسميته أيضا بالجمعية الرعوية لعرض الكيفية التي يمكن أن تساهم بها الحلول الثقافية لتجاوز الصعوبات التي تطرحها عمليات إنجاز بعض الممارسات الإنتاجية.

16وتمثل الحراسة المشكل الجوهري والأساسي لتربية الأغنام. وترجع أغلب العائلات، التي لا تتوفر على سواعد كافية، أسباب عدم امتلاكها لقطيع خاص إلى غياب من يتكفل بحراسته والعناية بتنقلاته وانتجاعه. فالحراسة مسؤولية يومية وشاقة وتتطلب انخراطا تاما. لكن امتلاك بعض الرؤوس لتوفير الأضاحي الطقوسية ورأسمال صغير لتغطية الحاجيات وتجنب الطوارئ أمر ضروري لضمان الحد الأدنى المعيشي. لذا تم ابتكار آلية القطيع المشترك لتجنب هذه المفارقة وتمكين بعض الأسر الصغيرة من امتلاك بعض الرؤوس من الأغنام دون التكفل يوميا برعايتها وحراستها.

17والقطيع المشترك إطار تعاوني تبادر مجموعة من العائلات من مالكي رؤوس محدودة من الأكباش والمعز، بتشكيله وتحديد وتيرة حراسته وتنقلاته ومساحات رعايته وانتجاعه. لذا يبدو على شكل جمعية رعوية تأسست على أساس تدبير مشكل الحراسة وتلبية رغبة أغلب العائلات التي تبحث عن سبل لتحقيق توازن في أنشطتها الرعوية والزراعية، في إيجاد صيغة عملية لتنظيم وعقلنة ممارستها الرعوية. ويتشكل القطيع في بداية كل سنة رعوية، والمحددة محليا في السوق السنوية "أنموگار" للقبيلة، الذي يعتبر الموعد الرئيسي لأهم المعاملات التجارية في مجال الماشية. مباشرة بعد هذا الملتقى التجاري، ينعقد الجمع العام التأسيسي أو التجديدي للجمعية، ويضم ممثلي الأسر الراغبة في تشكيل القطيع حيث تحدد كل أسرة عدد الرؤوس التي تضعها فيه حتى يتم التداول عن وتيرة الحراسة وأماكن الانتجاع والتنقل. وتستند الأسر المنخرطة لتنظيم العملية على القواعد القانونية المحلية المعتمدة والمؤسسة للمشاركة الجماعية في تسيير وتنفيذ الأعمال المشتركة وتوزيع المهام والتحملات بين المستفيدين كل على حسب درجة استفادته.

18ويكون إجراء جرد رؤوس الأغنام حاسما في بلورة نظام للدورة الرعوية عن طريق تحديد المدة الزمنية لتناوب أيام الحراسة وعدد الأيام التي تعود فيها المسؤولية لكل أسرة. في الغالب، يتم اعتماد 10 رؤوس كوحدة قياسية ويقابلها يوم حراسة. فحجم القطيع هو الذي يحدد مقاس الدورة الرعوية. فقطيع من 200 رأس مثلا يساوي عشرين يوما للحراسة. وتلتزم كل أسرة بتوفير من يتكفل بالأيام التي تقابل عدد الرؤوس المدمجة، ويمكن أن تقوم بالتنسيق مع الأسر المشاركة لتبادل نوبات الحراسة لتحقيق تدبير عقلاني يراعي ضغط المهام المختلفة والأنشطة الزراعية الموازية. وقد وضعت الدورة الرعوية على منوال توزيع الحصص المائية، فهو ترتيب قبلي يمكِّن العائلات المنضوية من مساحات زمنية كافية لتدبير أوقاتها وإمكانياتها البشرية للاستجابة لالتزاماتها الجماعية.

19يمكن أن نشير إلى أن هيمنة هذا الشكل التضامني على الاستراتيجيات الأسرية في تربية الأغنام يتبدى في الحقل المعجمي المحلي. فرغم وجود مفردة خاصة في القاموس اللغوي للدلالة على القطيع وهي تاوروت، إلا أن اللجوء المتواتر إلى هذا الشكل الجماعي في تدبير الحراسة جعل من كلمة تاوالا، التي تعني في المعجم الدور أو الدورة أو التناوب، المرادف المتداول بكثرة للإشارة الى القطيع. إن هذا التكريس المعجمي يذكرنا بسيادة هذا النمط الجماعي في التدبير على عمليات تشكيل القطعان بالمنطقة. ويمكن أن نقول نفس الشيء عن لفظ الراعي ءامكسا. فهذا اللفظ لا يدل في اللغة المتداولة إلا على الراعي المحترف، ولا يستعمل للإشارة الى كساب يتكلف بنفسه بحراسة قطيعه ولو بصفة دائمة، أو إلى منخرط في جمعية رعوية يتولى هذه المهمة. ونكتفي بالفعل ئيكسا ءولي أو يحرس القطيع لوصف الفعل الذي يقوم به لتفادي وضع المسؤولية في خانة الحرف المحلية. نشير في الأخير الى أن المراعي المنتقاة لرعاية القطيع المشترك تأخذ بعين الاعتبار في غالب الأحيان إمكانية عودتها ليلا إلى القرية حيث تحتفظ، في هذه الحالة، كل عائلة بأغنامها في الإسطبل لتستفيد من تغذية تكميلية.

  • 12 لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يراجع عملنا حول الوادي (أبوالقاسم، 2018: 21-25) وحول بعض الأشكال (...)

20وحتى لا نطيل في عرض مختلف الأفعال والحركات والطقوس التي ترافق تشكيل القطيع وحيثيات تدبير حراسته ومختلف الصيغ المبلورة لتيسير العملية12، يمكن أن نعتبر القطيع المشترك نوعا من شراكة حراسة يتم اللجوء اليه قصد تحقيق تدبير عقلاني وجماعي لهذه العملية التي تشكل أساس الحياة الرعوية، وفي ذات الآن، المشكل الجوهري الذي يقف عائقا أمام الاستثمار في هذا القطاع إلانتاجي. إن الجمعية الرعوية ممارسة تضامنية ونفعية، ذلك أنه بتعبئة العلاقات الاجتماعية التي تتيحها الصيغ الجماعية في التسيير وتدبير المصالح العامة، تتمكن العائلات التي لا تتوفر على موارد بشرية كافية من تحقيق التوازن والمزاولة المتقاسمة للأنشطة الزراعية والرعوية بتخفيف ضغط المهام وترشيد استعمال الزمن الفلاحي ومتطلباته اليومية.

خاتمة

21لا نبالغ إذا قلنا في ختام هذا العرض السريع والمقتضب للممارسات الإنتاجية بوادي ئيلمكَرت أن الاقتصاد الفلاحي لهذه المجتمعات المحلية يرتكز على ازدواجية أنشطة الرعي والزراعة. أمام العياء أو الاختلال الذي قد يصيب المجموعة الأسرية باعتبارها خلية أساسية للإنتاج، وبالنظر لما تجده من صعوبة في الاستثمار المباشر للموارد الخاصة والعامة، فإنها تلجأ الى الحلول والوسائل التي تمنحها الأدوات الثقافية والرأسمال الاجتماعي المتراكم. ويشكل القطيع المشترك أحد الوسائل المعبأة في هذا الإطار باعتباره صيغة جماعية لتدبير عقلاني للحراسة التي تشكل المشكل الجوهري لأنشطة الرعي.

Haut de page

Bibliographie

عبد العزيز ياسين (تحقيق) والخطير أبو القاسم (مراجعة وتقديم)، (2015)، الموروث القانوني المكتوب بالأطلس الصغير. اللوح المنسوب الى تامالوكت، الرباط، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

Aboulkacem, El Khatir, (2018), « Unités sociales, groupes d’intérêts et gestion collective des affaires communes : le cas de la vallée d’Ilmgert (Anti-Atlas central) », in Droit communautaire en milieux amazighes. Organisation, instrumentalisation et transformation, Rabat, Publications de l’IRCAM, pp. 11-37.

Adam, André, (1950), « La maison et le village dans quelques tribus de l’Anti-Atlas. Contribution à l’étude de l’habitation chez les Berbères sédentaires du groupe Chleuh », Hespéris, 37(3-4), pp. 289-362.

Amahan, Ali, (1978), Migrations et immigration dans un village du Haut-Atlas marocain depuis 1700 : Abadou des Ghoujdama, Thèse, EHESS, Paris.

Amahan, Ali, (1999), Mutations sociales dans le Haut-Atlas. Les Ghoujdama, Paris-Rabat, Editions de La Maison des Sciences de l’Homme/Laporte.

Capitaine Perronny, (1945), la réforme des jemaa, Pierrefitte, Archives Nationalesn°20000002/33.

Commandant Laumalé, (1941), Etude sur la tribu des Ida Ou Kensous, Vincennes, SHD, 3H2006.

Commandant Ropars, (1947), Les Jemaas de village dans l’Annexe d’Igherm, le 18/11/1947, Vincennes, SHD, DE2017 SA222/3H2018.

Justinard, Léopold, (1925), « Poèmes chleuhs recueillis au Sous », Revue du Monde Musulman, deuxième trimestre, t.60, pp.63-107.

Lieutenant Hoppenot, (1954), Fiche de tribu Ida Ou Kensous, Vincennes, SHD, H2006.

Mahdi, Mohamed, (1999), Pasteur de l’Atlas. Production pastorale, droit et rituel, Casablanca, an-Najah al-Jadidah.

Riaux, Jeannne, (2006), Règles de l’Etat-Règles de la communauté : une gouvernance locale de l’eau. Anthropologie comparée de deux systèmes d’irrigation anciens en contexte d’intervention publique : vallée des At Bou Gumez (haut-Atlas-Maroc), Plaine de Vinça (Pyrénés-France), Thèse de doctorat, Paris, EHESS.

Ssi Brahim Akenkou, (1949), ljma3t d inflas [assemblée du village et celle de la tribu], 26 avril 1949, Aix-en-Provence, Archives Berbères du « Fonds Arsène Roux », n° 27.2.7.

Haut de page

Notes

1 في اللغة الأمازيغية، يحيل لفظ ءاسيف، إضافة إلى الخصوصية الجغرافية التي يمثلها باعتباره مجرى مائيا في منطقة جبلية، على مجرى السيل والجوانب المهيأة بجوانبه للزراعة والسكنى، ومرادفه باللغة الفرنسية هو vallée.

2 إضافة الى المساهمات النظرية والتطبيقية التي قامت بتفكيك تمثلات الإثنوغرافيا والسوسيولوجيا الكولونيالية حول البنيات الاجتماعية بالمجتمعات الأمازيغية (Adam، 1950: 289-362؛ Amahan، 1998؛ Mahdi، 1999 وRiaux، 2006) التي خلصت الى أن القرية أو المدشر بهيئته لجماعت تكون الوحدة الأساسية للإنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعي بهذه المناطق. يمكن أيضا أن نشير الى التقارير المنجزة من طرف الشؤون الأهلية في أربعينيات القرن الماضي لإعادة الاعتبار لهذه الوحدة الأساسية، ونخص بالذكر تلك المتعلقة بالمجال الترابي لمكتب إغرم الذي يشرف على قبيلة "يداوكنسوس" (Perronny، 1945 وRopars، 1947) دون أن ننسى مساهمة قيمة لأحد مخبري الباحث الفرنسي أغسين غوكس، الفقيه سي إبراهيم الكونكي (1949) الذي كتب مقالا مقتضبا حول العلاقة بين لجماعت وينفلاس.

3 لا نتوفر على دراسات كافية حول الوادي أو قبيلة "يداوكنسوس" إذا استثنينا الدراسات ذات الطبيعة الإثنوغرافية أو الاستعلامية لأطر الشؤون الأهلية إبان فترة الحماية الفرنسية. وهنا أحيل القارئ إلى دراسة Laumalé (1941) والجذاذة التكميلية التي أنجزهاHoppenot سنة 1954، يمكن كذلك الرجوع إلى بعض المعطيات التي يتضمنها التقديم الذي أنجزتُه أثناء نشر اللوح المنسوب الى تامالوكت والذي قام بتحقيقه الأستاذ عزيز ياسين (2015).

4 لم تستهدف هذه الدراسة رصد التحولات العميقة التي مست البنيات الإنتاجية والتسييرية للمجتمعات المعنية وانعكاساتها على حياتها الاجتماعية الراهنة، بل حاولت تشكيل الممارسات الإنتاجية السائدة في فترة الحماية إلى تسعينيات القرن الماضي والأدوات الثقافية المعبأة لتدبيرها وتيسير العمليات المطلوبة، واعتمدنا، إضافة إلى بعض التقارير والدراسات المنجزة في فترة الحماية، على ملاحظاتنا الشخصية والمعلومات التي حصلنا عليها في حواراتنا مع الأشخاص الذين عايشوا هذه الفترة.

5 تشترك قبيلة ايداوكنسوس مع أغلب قبائل الأطلس الصغير ومنحدراته الاعتقاد بنفس الحكاية الأصلية، وتوجد روايات مختلفة لها في أغلب ما كتب عن المنطقة ويعتبر القبطان جيستينار من أوائل الباحثين الأجانب الذين قاموا بتدوين الصيغة الشعرية لها، ينظر (Justinard، 1925: 66-68 و90-91).

6 للمزيد من التفاصيل عن التدبير الجماعي للمصالح المشتركة والقواعد القانونية المؤطرة له أحيل على دراسة حول الموضوع (Aboulkacem، 2018: 11-37).

7 ءيسكَان في اللغة اليومية جمع ءاسكَن وتعني الكلمة المكان الذي ترقد فيه الأغنام، وتطلق في إطار توسيع المعنى على المساكن الثانوية التي تنتقل اليها بعض الأسر لزراعة الساحات البورية المحيطة والمجاورة، وهي في الغالب مداشر مهجورة وتتوفر على كل المقومات الأساسية للسكن من منازل ومسجد وفي بعض الأحيان مخازن جماعية. ومن الممكن أن تكون المسكن الأصلي لبعض العائلات التي انتقلت في فترات ماضية للاستقرار بالوادي. لذا يجب عدم مقارنتها ب"لعزيب" في الأطلس الكبير كموضع للانتجاع السنوي وكطبقة ايكولوجية مختلفة، فالإيسكَان تشابه في الغالب المداشر الرسمية وتمنح نفس الغطاء النباتي والإمكانيات الزراعية، وفي الغالب فهذه المساحات البورية هي التي تمد الساكنة بمحصول مهم من الشعير.

8 من حيث التوزيع الجنسي أو النوعي للأنشطة الفلاحية، فإذا استثنيا الرعي وبعض عمليات الدرس والري وتهيئة الحقول المسقية التي يساهم فيها الرجل وصيانة التجهيزات السقوية، فالقسم الأكبر يعود للنساء اللواتي يلعبن دورا محوريا في إنجاز الممارسات الإنتاجية بالوادي والقبيلة بصفة عامة.

9 يمكن أن نستأنس ببعض الإحصائيات التي قدمها لومالي عن محصول الشعير، فأسر تامسولت التي تتوفر على أكبر قسط من مساحات المجال المسقي تحصل على 154 عبرة مقابل 234 في الزراعة البورية لأن معظم الأسر لها مساحات في المداشر الثانوية، في حين أن أنامر، الذي يستخلص من زراعته المسقية 89 عبرة يعتمد بالأساس على البور لتنمية محصوله ويمده ب 260 عبرة.

10 تتطلب عملية الدرس لمّ أيدي عاملة كافية ودواب في فترة واحدة، لذا يخبر المسؤول عن الشؤون الأهلية الفرنسية بمكتب إغرم في أربعينيات القرن الماضي روبارس (1947) أن الجماعة كانت تتكلف بتدبيره الجماعي، حيث تقوم بحجز كل الدواب وتتحمل مسؤولية سلامتها بتعويض الأسر عن كل ضرر يحصل لها، وبوضع جدولة زمنية محددة لإنجاز هذه العملية. وفي ثمانينيات القرن الماضي وقبل ولوج المكننة أعمال الدرس، كان الشكل الجماعي سائدا، حيث يتم تنظيم العملية بالتناوب بين مختلف الأسر، ويتكفل كل مستفيد بتقديم وجبات الطعام اليومية طيلة مدة الأشغال.

11 يطلق عليها محليا لفظ توشركا، والصيغة السائدة في مجال تربية الأغنام هي توشركا س نّص، حيث يتم تقسيم الربح مناصفة بين الكساب والمربي، في حين أن تربية العجل تعطي امتيازا لصاحب الحيوان حيث يحصل على ثلاثة أخماس الربح ويحصل المربي على الباقي. في السنوات الأخيرة، وأمام تفكك البنيات بفعل تنامي الهجرة إلى المدن والاختفاء التدريجي للأشكال التعاونية في ميدان تربية الماشية، ظهر نوع من الرعاة المحترفين يتولون حراسة أغنام عدد من العائلات مقابل ثمن اتفاقي.

12 لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يراجع عملنا حول الوادي (أبوالقاسم، 2018: 21-25) وحول بعض الأشكال التعاونية الأخرى التي يتم اعتمادها في الأطلس الكبير يرجى الرجوع الى أعمال علي أمهان (1998) ومحمد مهدي (1999).

Haut de page

Table des illustrations

Titre قبائل سوس بعد استقرارها في نهاية القرن 19
URL http://0-journals-openedition-org.catalogue.libraries.london.ac.uk/asinag/docannexe/image/2591/img-1.jpg
Fichier image/jpeg, 464k
Haut de page

Pour citer cet article

Référence papier

Aboulkacem El-Khatir, « الممارسات الإنتاجية بالأطلس الصغير الأوسط »Asinag, 17 | 2022, XV – XXI.

Référence électronique

Aboulkacem El-Khatir, « الممارسات الإنتاجية بالأطلس الصغير الأوسط »Asinag [En ligne], 17 | 2022, mis en ligne le 01 février 2024, consulté le 18 avril 2025. URL : http://0-journals-openedition-org.catalogue.libraries.london.ac.uk/asinag/2591

Haut de page

Auteur

Aboulkacem El-Khatir

الخطير أبو القاسم

المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية

Haut de page

Droits d’auteur

CC-BY-NC-ND-4.0

Le texte seul est utilisable sous licence CC BY-NC-ND 4.0. Les autres éléments (illustrations, fichiers annexes importés) sont « Tous droits réservés », sauf mention contraire.

Haut de page
Rechercher dans OpenEdition Search

Vous allez être redirigé vers OpenEdition Search